ولما كان اليوم السابع عشر، للعدوان الإسرائيلي البربري، واليوم الرابع للاجتياح البري الهمجي، بعد الهجوم الجوي والبحري والمدفعي، على قطاع غزة الأبي، وبعد أن حصدت الصواريخ والطائرات الحربية الإسرائيلية، والقذائف البحرية، والغارات الجوية، سبعمائة وثمانية عشر شهيداً وشهيدة، وأكثر من أربعة آلاف وخمسمائة جريح وجريحة،

وفجر ليلة يوم الأحد، في الرابع والعشرين من تموز، من العام ألف وأربع عشرة ميلادية، وفي السابع والعشرين من شهر رمضان، من العام ألف وأربعمائة وخمسة وثلاثين هجرية، وبعد أن تقدمت الدبابات والمدرعات، متعطشة إلى المزيد من الدماء، ومستهدفة الأطفال والنساء؛ حدثني المترجم الأديب “محمد عيد إبراهيم”، قال: حدثني ملاك الشفاء، الطبيب النرويجي د. مادس جيلبرت” – الذي هرع إلى غزة، فور خبر العدوان، كما فعل عام 2008، وعام 2012-، قال:
نتج عن الغزو البريّ على قطاع غزة عشرات المشوّهين والمبتورين والمرتجفين والمحتضرين، وكلّ نمط من الجروح للفلسطينيين، من كافّة الأعمار، وكلّهم مدنيّون، أبرياء.

يعمل الأبطال في سيارات الإسعاف وبجميع مستشفيات غزة ورديتين كلّ اثنتي عشرة ساعة، بوجوه شاحبة، ومنهكين، من ضغط العمل اللاإنسانيّ (من دون أيّ رواتب خلال الأشهر الأربعة الأخيرة). يقومون بالرعاية والإسعاف في محاولة لفهم الفوضى غير المفهومة أصلاً من الأجسام، من كلّ حجم، والأطراف، ناس يسيرون ولا يسيرون، ناس يتنفّسون ولا يتنفّسون، ناس ينزفون ولا ينزفون، ناس! يعاملهم كالحيوانات، (الجيش الأكثر أخلاقيةً في العالم)، كما يدّعون! إجلالي للجرحى لا يُحدّ، لثباتهم في خضمّ الألم والعذاب والصدمة، وإعجابي بالهيئة الطبية والمتطوّعين لا يُحدّ، وقربي من الصمود الفلسطينيّ يهبني القوّة، على الرغم من اللمحات التي أودّ فيها الصراخ، احتضان أحد ما بعزم، البكاء، حين أشمّ جلد وشَعر طفل ساخن، تغطّيه الدماء، فنحمي أنفسنا في احتضان لا ينتهي، لكننا لا نتحمّل ذلك، وهم لا يتحمّلون.
وجوه شاحبة متربة، آه! لا يتحمّل المرء عشرات المشوّهين والنازفين، ولا تزال لدينا بحيرات من الدماء على الأرض، أكداس من الضمادات المنقوعة في الدم، في حاجة

إلى تنظيف، آه! المنظّفون في كلّ مكان، يكسحون الدماء والأنسجة المهترئة، والشعر والملابس، والحُقن، وكلّ ما يتخلّف عن الوفيات، يجرفونها بعيداً، لنستعدّ من جديد، ويتكرّر كلّ شيء من جديد.
أكثر من مائة حالة وصلت مستشفى الشفاء خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، وهي حمولة مستشفى ضخم، بأجهزة عالية في كلّ شيء، أما هنا ـ فلا يوجد شيء تقريباً: الكهرباء، والماء، والغَيارات، والأدوية، وطاولات الجراحة، والأدوات الطبية، وأجهزة نبض القلب، كلّها صدئة، وكأنها مستلّة من متحف لمستشفيات الماضي. مع ذلك، لا يشكو، هؤلاء الأبطال. لقد تكيّفوا معها، رؤوسهم عليها، كالمحاربين، بعزم لا يلين.

واستأنف الطبيب حديثه، يا سادة يا كرام، ودموعه تنهمر شلالا، من الألم والحزن، ومن القهر والغضب، وفي باله هيروشيما، واستذكر دور أمريكا، التي تقف وراء دولة الاحتلال، وتزوِّدها بالمال والعتاد، كي “تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية”؛ بواسطة القذائف، وطائرات F16، وطائرات الأباتشي الحربية، وخاطب الرئيس أوباما، وقال:

يا سيد أوباما ـ ألا يزال لديك قلب؟ إنني أدعوكَ، لتقضي ليلةً واحدةً، مجرد ليلة واحدة، معنا، بمستشفى الشفاء، ولو متنكّراً في ثياب عامل نظافة. وإني لعلى يقين، من أن ذلك سيغيّر التاريخ. فما من أحد لديه قلب وطاقة يستطيع أن يشيح بوجهه بعد هذه الليلة في الشفاء، من دون أن يقرّر إنهاء هذه المذبحة للشعب الفلسطينيّ.
لكن القساة ومن نُزعت عن قلوبهم الرحمة، لديهم حساباتهم في هجوم آخر (داهية) على غزّة. ستظلّ أنهار الدماء سيّالة في الليلة التالية، أسمعهم وهم يضبطون آلات الموت نحوهم.
أرجوك، افعل ما تستطيع، فليس لهذا أن يستمر.

وما كاد الطبيب ينهي حديثه، ويختم صرخة استغاثته؛ حتى وصلت أخبار سلسلة من الغارات المدفعية والجوية، رفعت أعداد الشهداء إلى ثمانمائة وسبعة شهداء، والجرحى إلى خمسة آلاف وأربعين ومائتين.

أما من سمع الاستغاثة، أيها الجمهور السعيد ذو الرأي الرشيد؛ فلم يكن السيد أوباما؛ كان شعب فلسطين، وشعوب العالم العربي، وأحرار العالم.

انتفضت فلسطين في يوم غضب عارم لم تشهده منذ سنوات، وتجلى الغضب في مسيرة ال 48 ألفا، آلتي انطلقت من مخيم الأمعري، صوب المسجد الأقصى في القدس؛ ليتصدى لها جنود الاحتلال الاسرائيلي عند حاجز قلنديا العسكري، بالرصاص المطاطي، والحي. وامتد الغضب الى كل المدن الفلسطينية، فيما حولت سلطات الاحتلال القدس المحتلة إلى ثكنة عسكرية.

وبلغني أن التحركات قد تزايدت، لتطالب بالعدل، ومحاكمة المحتل، أمام محكمة الجنايات الدولية. أما المحامي الفرنسي جيل ديفير؛ فلم يطالب بالتحرك فحسب؛ بل تقدم بشكوى مكتوبة إلى المحكمة الدولية، باسم وزارة العدل الفلسطينية: “وهذه الشكوى التي رفعت لدى مدعية المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، تستهدف جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو الماضيين في فلسطين، في إطار العملية العسكرية التي سميت “الجرف الصامد”، والتي ابتلي بها الشعب المقاوم الصامد، ووووووووووووووووووووووووو

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام الجراح.