تناضل المرأة الفلسطينية من اجل ان يبقى صوتها مسموعا في الضفة الغربية وقطاع غزة وخارجهما. حيث ان الطريقة التي ينظر بها الى ما تقوم به المراة في الخارج تتناقض بشكل كلي عما تقوم به في وطنها، وبالتالي فان هذا التعارض يهمش دورها حتى وأن كانت عنصرا هاما في إنهاء الاحتلال. فمثلا،ان المرأة المتواجدة في مناطق الحروب لا يمكن لها ان تعارض السلوكيات المتسلطة الخاصة بالاحزاب والجماعات السياسية الدولية والوطنية، وشبكات الاعلام المركزية. لاحقا، فقد بدات المرأة الفلسطينية ببث اقتراحات ووقائع إبداعية واهداف سياسية وذلك من خلال مناقشة الاهداف والاعمال التي قامت بها.
ان هذه القصة القصيرة هي محاولة لتكريم المرأة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية وفي الشتات.
وبعد عقد كامل من التحركات وارساء قواعد الديموقراطية من خلال العمل المستمر مع النساء في القرى ومخيمات اللاجئين، فقد شكلت المرأة سلطة محلية بالشراكة مع بعض المنظمات الجماهرية، مما أدى ذلك الى جعل حركة المرأة العمود الفقري للمقاومة في الانتفاضة الاولى في عام 1987.وتكوين منصة جديدة لمناقشة قضايا المرأة التي تجمع بين القضايا الوطنية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وقد تضمنت حقوق المرأة الحق في التعليم والعمل والنضال لتكون ممثلة بشكل متساوٍ في صنع القرارات السياسية.
ولقد اوجدت المرأة مساحة بديلة للتعليم الشعبي لتحل محل المدارس العادية، والتي كانت مغلقة لفترة طويلة من قبل قوات الاحتلال خلال الانتفاضة الأولى، حيث تقوم هذه المجموعات بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية في محاولة لتعزيز الهوية الوطنية. وقد اكدت (الين كُتّاب) أن جميع هذه النشاطات كانت مصيرية من اجل استمرار الانتفاضة وتمكين دور المرأة في المجتمع.
 
لقد خلقت اتفاقية أوسلو جواً من التفاؤل بين الفلسطينيين، ونمط جديد من التفكير الذي يؤدي الى التحرر والاستقلالية. ومع ذلك فقد تسببت هذه العقلية الجديدة في نشوء انقسام داخل الحركة الوطنية والتي كانت موجهة ضد الاحتلال. حيث كان التركيز بشكل أكثر على الشؤون الدولية على غرار القضايا الوطنية والتي نالت حظا اقل من الاهتمام. ونتيجة لذلك، فقد ضعفت المنظمات الجماهيرية وانهارت الشبكات الشعبية غير الرسمية، في حين كانت القيادة العليا غير مسؤولة أمام أي دائرة انتخابية.وكانت شرعيتهم  فقط بتمثيل شعب فلسطين بشكل رمزي، وهكذا فإن هيمنة السلطة الفلسطينية بدأت تتنامى يوما بعد يوم، في حين نجحت المعارضة الاسلامية وحدها في الحفاظ على قاعدة شعبية والتي حصلت عليها من خلال انتخابات عام 2003 وفوز حركة حماس عام 2006.
ووفقا (لالين كُتّاب)، فقد أدى تقسيم الحركة الليبرالية للتنازل عن القضايا الوطنية، والمشاركة في اختيار نماذج ليبرالية جديدة وفقد علاقاتها الهيكلية الرئيسية مع الحركة الوطنية والشعبية. وقد ادى اندماج المنظمات غير الحكومية النسوية في بداية التسعينيات إلى تزايد أعداد المنظمات غير الحكومية النسوية المتخصصة والمهنية في تكريس أنفسهم للتدخل في عمليات السياسات الوطنية والدولية.
ولذلك فقد بدأت المنظمات غير الحكومية بلعب دورا بارزا في تحويل اجندة المرأة المحلية،ويعود ذلك بشكل أساسي إلى الانقسام الذي حصل بين حركتي فتح وحماس، حيث تتلقى المنظمات غير الحكومية الأموال من وكالات ثنائية ومتعددة الأطراف. في حين اكدت (الين كُتّاب) أن النماذج الليبرالية الجديدة يقوم برأستها صندوق النقد الدولي (ص.ن.د) والبنك الدولي، والمؤسسات الدولية مثل منظمات الأمم المتحدة والمنظمات المانحة. وقد ادى ذلك الى توحيد البرامج العامة على جميع المستويات.
وفقاً “لأيلين كتاب” فإنَّ حقوق المرأة للمنظمات الغير حكومية على الأغلب مفهومة كحقوق إنسان. تجنب الدين,  الثقافة, المستطونات, الحدود, البطالة, الثقافة , جدار الفصل العنصري, الحصار المفروض على غزة والنضال ضد الإحتلال من أجل الحرية.
 
وبالتالي فأنَنا نتعامل مع نماذج مختلفة من المرأة المسلمة كما نتعامل مع النماذج المختلفة للديانات الأخرى. بسبب الإحتلال وما يشمله من مداهمات وإعتدائات على المنازل والعائلات والمدارس والمكتبات الوطنية والمتاحف وكذلك تدمير الحضارة والتراث والثقافة والمال والأمل فإنه يجب علينا تقبل الفلسطينين لإختيار مصير قضيتهم بأنفسهم سواء كان بالعنف أو بالسلم على الرغم من معاضة العديد من الناس.
  
النماذج المثالية للنساء الفلسطينيات غالباً ما تقوم على القوانين والأعراف والممارسات الدينية. ماذا يمكن أن يُقال عن قوانين النوع الإجتماعي وممارساتهم؟
 
أوضحت “نهلة عبدو” أن العلاقات الإجتماعية الفلسطينية تقوم على ثلاثة تشكيلات من القوانين:  الأول/ الحالة الرسمية أو القوانين المدنية. الثاني/ القوانين العرفية الغير مكتوبة والأخير/ قانون الشريعة الإسلامية والذي ينظم الأحوال الشخصية (الزواج الطلاق الميراث وغيرها).
  
وفيما يتعلق بالقوانين المدنية/ الرسمية فإنَّ الفلسطينيون لا يزالون يخضعون لمزيج من القوانين العثمانية والبريطانية والأردنية والمصرية والإسرائيلية بالإضافة إلى ضغوطات قوانين مفروضة على السلطة الفلسطينية بعد إتفاق أوسلو. يشترك الفلسطينيين من كلا الجنسين في العديد من القيود القانونية المفروضة عليهم ولكن عدد من هذه القيود تطبق فقط على النساء. يُعرف المواطن الفلسطيني ضمن نطاق السلطة الفلسطينية على أنه شخص أبوه يجب أن يكون عربياً فلسطينياً يعيش في الضفة الغربية أو في قطاع غزة ويحمل بطاقة تعريف هوية إسرائيلية. وبالتالي فإنَّ هذه القوانين بحد ذاتها تعتبر قوانين عنصرية وتمييزية لأنَّ المواطن الفلسطيني يحتاج  إلى هوية إسرائيلية للتعريف عن نفسه من خلال “الأب”.
 
وفقاً  ل”دانيال” فإنَّ المرأة الفلسطينية المسلمة وليس الرجل يجب أن تحصل على موافقة أحد أقاربها من الذكور من أجل الزواج. امرأة صحفية من قطاع غزة أخبرتني بأنَّ الأباء في المدن يوافقون على الزواج بمجرد مقابلة الزوجين الشابين لبعضها البعض ويرون بأنفسهم أنها علاقة جيدة. وعادةّ لا يتواجد أي مشكلة بذلك.
  
تعد هذه القوانين انتهاكاً للجنة القضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو) وهي معاهدة دولية  الخاصة بحقوق المرأة والتي صادقَ عليها الرئيس الفلسطيني. بسبب الإحتلال الإسرائيلي والإستعمار والإضطهاد العنصري فإنَّ الكثير من القوانين القديمة ثابتة ومن الصعب تغييرها. القوانين العرفية تميل إلى السيطرة على القوانين المكتوبة نظراً لهيمنة الشريعة الإسلامية في فلسطين وفي أماكن اخرى في العالم العربي. وقوانين الشريعة الإسلامية وفقاً ل”عبدو” فأنها تسيطر على معظم جوانب حياة المرأة. أنَّ أيدلوجية “حماس” بالنسبة للنوع الإجتماعي (الذكر والأنثى) مثلها مثل الأحزاب العلمانية تبقى مختلفة وأبواب المساوة بالنسبة للمرأة مفتوحة جزئياً مع ذلك فأن وضع المرأة لا يزال على هذا الحال في معظم أجزاء العالم.
 
وفقاً ل”دانيال هيرش” فإنَّ السلطة الفلسطينية قامت بالتعديل على العديد من قوانين التمييز والتشريعات التي تراعي الفوارق بين الجنسين وقامت بإنشاء وكالات لتعزيز حقوق المرأة.
 
أصبح عدد الفتيات اللواتي يلتحقن بالمدارس ويتخرجن في إزدياد مقارنة بإي وقت مضى وكذلك مغامرة المرأة في الخروج من البيت والبحث على وظائف في أمكان خاصة  تلقيم بهم وإتاحة الفرص لهم في مجال القطاع الخاص وفي المجالس السياسية المحلية.
 
تعمل منظمات المرأة في كل من غزة والضفة الغربية وفي الشتات على توثيق إنتهاكات حقوق الإنسان وتقديم الإقتراحات من أجل الإصلاح وكذلك يحتفلون بيوم المرأة العالمي كأي مرأة في العديد من الدول الأخرى. إنَّ صورة المرأة الفلسطينية بالنسبة للغرب هي ربة بيت فقط وهي صورة كلها خاطئة. هناك العديد من الأمهات المتعلمات وكذلك الشابات المتعلمات ولديهم نشاط في السياسة المحلية ويسعون للحصول على وظائف للحفاظ على أطفالهم عندما يكون أزواجهم خارج أو داخل السجون الإسرائيلية. تتخذ إسرائيل سياسية إستعمالية عنصرية بما يتعلق بالجمارك حيث العوائق اليومية للرجال والنساء في غزة والذين يريدون بدء وإكمال أعمالهم الصغيرة لكسب المال وتجنب إعتمادهم على الأعمال الخيرية. قوات الإحتلال الإسرائيلية تمنع سكان غزة من السفر خارج القطاع الغزي الصغير وتسرق المياه الصالحة للشرب والكهرباء والمال والتربة وحتى تعيق فرص السباحة 
الصحية في البحر الأبيض المتوسط.
 
لإنهاء هذه القصة القصيرة، اريد ان استشهد بمقطع سردي الذي يمكن أن يرمز إلى العقلية البطولية لنساء فلسطين تحت الاحتلال.
المقطع من نص لفرجينيا كويرك، نقلا عن أمل عميرة، (2012، ص 438):
طارد جنود اسرائيليين مجموعة من الشبان الفلسطينين  من رماة الحجارة  الى ان امسكوا احدهم.
 وعندما قام الجنود الإسرائيليون بجره نحو سيارتهم الجيب لإلقاء القبض عليه، امرأة شابة تحمل طفلا في ذراعيها هرعت اليهم وبدات تصرخ في غضب على الشاب الفلسطيني.
`ها انت ! قلت لك لا تأتي هنا! قلت لك سوف تكون هناك مشكلة! الآن ماذا تتوقع مني أن أفعل إذا تم القبض عليك؟ كيف سوف اكل؟ كيف يمكنني إطعام طفلنا؟ لقد تعبت من عدم مسؤوليتك ! خذ، عليك أن تطعم ابنتنا.`
قالت المرأة و هي تدفع الطفل إلى أحضان الشاب المصدوم قبل ان تلوذ بالفرار.
 الجنود، الذين كانت صدمتهم كصدمة الشاب، وجدوا أنفسهم امام طفلة للتعامل معها.
وفي حالة من الذهول ، قام الجنود بإخراج الشاب مرة أخرى إلى الشارع، وقفزوا في سيارتهم وانطلقوا بها بعيدا تاركين الشاب و الطفلة في حضنه.
بعد ان رحلوا ، اخيراً ظهرت الأم مجددا من وراء مبنى مجاور حيث كانت مختبئة، واتجهت نحو الشاب المكان و أخذت الطفل من ذراعيه .
المرأة لا تعرف الشاب و لم يسبق ان التقت به قبل ذلك اليوم.
Written by: Gerd von der Lippe, WBG
Photo by: 'Impotence'/@Patricia Bobillo Rodríguez