في اليوم السابع من شهر تموز من عام 2014، شنت سلطات الاحتلال الاسرائيلي هجوما بريا وبحريا وجويا على قطاع غزة. استمر فيه الهجوم لمدة واحد وخمسون يوماً. اطلقت فيه سلطات الاحتلال المدافع والقذائف على حوالي مليوني شخص يعيشون داخل القطاع، لتقتل حوالي الخمسمائة فلسطيني بواسطة الطائرات الحربية المقاتلة.

وتبلغ مساحة قطاع غزة مئة وخمس وعشرون ميلاً، ويوجد فيه اكثر كثافة سكانية في العالم. ويحيط بالقطاع طوق من الاراضي الاسرائيلية من جهة البر، والسفن الحربية من جهة البحر.

وقد حلقت الطائرات الاسرائيلية في سماء القطاع طوال الاربعة والعشرين ساعة من اليوم لمراقبة الفلسطينين وقتلهم، لتصبح هذه الالة الحربية اداةً اساسية في الحروب التي يشنها الجيش الامريكي والاسرائيلي.

ومنذ بداية عام 2008 وحتى نهاية عام 2013، قامت مؤسسة الميزان لحقوق الانسان بتوثيق الاعتداءات على قطاع غزة. وتشير النتائج بان اكثر من الفين ومائتي فلسطيني قتلوا خلال الحرب على قطاع غزة. ففي عملية (الرصاص المصبوب)، قتل حوالي تسعمائة شخص بنيران الطائرات الاسرائيلية. بينما قتل مئة وثلاث واربعون اخرون من اصل مئة وواحد وسبعون فلسطينيا في حرب (عمود السحاب) عام 2012.

اما في عام 2014، قامت مؤسسة الميزان بتوثيق حوالي خمسمائة شخص قتلوا بنيران الطائرات الاسرائيلية، حيث يشكل هذا العدد ما نسبته اثنين وثلاثون بالمئة من عدد القتلى الكلي.

وبمجمل الواحد وخمسين يوما من الاعتداءات على قطاع غزة، فان اكثر من ألفين وثلاثمائة فلسطيني قتلوا، واكثر من عشرة آلاف وخمسمائة آخرين جرحوا، من بينهم ثلاثة آلاف وثلاثمائة طفل. وقد هُدم اكثر من ثمانمائة وسبعون منزلا بشكل كامل، واكثر من خمسة آلاف منزل هدموا بشكل جزئي، وقد تم تدمير مئة وثمان وثلاثون مدرسة، وست عشرين مستشفاً ومركزاً صحياً.

وبحسب مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية، فان اكثر من مائتين وسبعون الف شخص نزحوا من بيوتهم ولجؤا الى مدارس تابعة للامم المتحدة ليحتموا بها، وتعادل هذه النسبة من النازحين احد عشر بالمئة من سكان القطاع.

على الصعيد الآخر، اطلقت المقاومة الفلسطينية صواريخ محلية الصنع على المناطق الاسرائيلية، قتل خلالها اكثر من ستون جنديا اسرائيليا، وخمسة مدنيين اسرائيلين، من بينهم طفل واحد ومواطن تايلندي يعيش في اسرائيل.

ولا يمكن تشبيه الحرب على غزة بانها معركة بين قوى متصارعة، بل يجب تشبيهها بحرب شرسة وهوجاء على اهل قطاع غزة، يقوم بها الجيش الاسرائيلي المدجج بالسلاح بانواعه الثلاثة، الجوي والبحري والبري، بالاضافة الى العتاد والصواريخ الذي ترسله الولايات المتحدة الامريكية كدعم للجيش الاسرائيلي، ومن ضمن ذلك العتاد، الآلة الحربية لنظام منع الصواريخ والتي تسمى بالقبة الحديدية“.

اما على صعيد الضفة الغربية، خاصة وبعد انتهاء الحرب الاسرائيلية على غزة، بدات حدة التوتر بين الفلسطينين والاسرائيلين بالازدياد. حيث بدأ الشباب الفلسطيني في الانتفاضة الاخيرة باستخدام السكاكين اليدوية بدلا من الحجارة لمواجهة ظلم الاحتلال الاسرائيلي، وللرد على سلب الاراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات عليها، بالاضافة الى الاعتقالات العديدة بحق المئات من الشباب الفلسطيني.

ولم يقتصر الاعتداء بالسكاكين على الجنود الاسرائلين وحدهم، بل طال المدنين الاسرائيلين ايضا، فقد قتلت فتاة بعمر ثلاثة عشر عاما في وسط بيتها. وان حوالي اربعون اسرائيليا وامريكيين اثنين بالاضافة الى اريتيري وسوداني، قتلوا في هجمات مختلفة، فمنهم من قتل بالسكاكين الحادة، او بواسطة اسلحة نارية، او عن طريق دهسهم بالسيارات الخاصة. في حين قُتل اكثر من مائتي فلسطيني في نفس المرحلة بسبب الاعتداءات المتكررة من قبل الاحتلال الاسرائيلي.

ويتوقع ان يكون الرد الاسرائيلي على هذه الاعتداءات كبيرا، وقد يطال الضفة الغربية وقطاع غزة. في حين ان انتشار قصص القتل والتفجيرات المميتة، سوف تدفع القيادة من الجهتين للتحرك من اجل انهاء الصراع بشكل نهائي.

كتاب (الطائرة تاكل معي)، للكاتب الفلسطيني (عاطف ابو سيف) والذي نشر في الخامس من تموز عام 2016، يوضح الاعتداءات التي مارستها قوات الاحتلال الاسرائيلية على الفلسطينين خلال حرب عام 2014. ويبين فيه مدى التدمير النفسي والجسدي الذي يعانيه الشعب الفسطيني في غزة، وعن طبيعة الحياة التي عاشتها العائلة الفلسطينية تحت النار. ويتكلم الكاتب بشكل خاص عن سلاح الطيران الاجرامي والذي قتل حوالي الخمسمائة شخص خلال الحرب الاخيرة التي حصلت قبل عامين على قطاع غزة.

ان كتاب (الطائرة تأكل معي: يوميات غزة)، يروي قصة حياة الشعب الفلسطيني تحت النار، وما يعانيه من هلع وخوف بسبب الطائرات الاجرامية التي تحلق في سماء القطاع طوال اليوم، تنتظر ضحيتها القادمة. “تصحبنا الطائرة طوال الليل، طنينها طنينها، طنينها، طنينها طوال الوقت، وكأنها تقول لنا انها موجودة هناك في الاعلى، ولن تذهب لاي مكان اخر. انها متعلقة فوق رؤوسنا وليست ببعيدة عنا

ويتحدث الكاتب عن صوت الطائرات القريب اذ يقول في كتابه:”لقد تلاشى صوت الانفجار الجديد المزعج، ليحل مكانه ازيز الطائرة الذي لا مفر منه، صوتها قريب جدا وكأنها بجانبنا، وكأنها تريد الانضمام الينا في هذا المساء، وقد حجزت كرسيها الوهمي بيننا

وقد وصف الكاتب عاطفمستقبله خلال الايام التي عاشها اثناء الحرب، يقول: “ان مصيرنا معلق بين يدي سائق هذه الطائرة، قد يقطن هذا السائق في قاعدة عسكرية هناك فوق الحدود الاسرائيلية. ان سائق الطائرة ينظر الى غزة وكانه طفل ينظر الى شاشة العاب الفيديو. قد يضغط الزر فيدمر شارعا بأكلمه، وقد يقرر انهاء حياة شخص ما يسير على الرصيف، او قد يقتلع شجرة لم تثمر بعد. قد يفعل هذا حسب مزاجه، وكله ثقة بنفسه وما وضع رؤساؤه بين يديه من قوة

آن رايت